عندما صدمت كوريا الجنوبية إيطاليا في كأس العالم 2002
![]() |
الحكم باريون مورينو يثير الجدل في مباراة كوريا الجنوبية وايطاليا |
جلبت إيطاليا تشكيلة مذهلة إلى كأس العالم 2002 الذي تستضيفه كوريا الجنوبية و اليابان ، كان لاعبون مثل فرانشيسكو توتي و أليساندرو ديل بييرو و فيليبو إنزاغي في أوج عطائهم فضلا عن الأسماء الكبيرة في الدفاع ، الكابتن هو باولو مالديني واحد من لاعبين فقط في تشكيلة الآتزوري الذي تجاوز الثلاثين من العمر ، و خلفهم جميعا يقف جانلويجي بوفون الذي يعد أغلى حارس مرمى في هذا الكوكب ليحرس الشباك .
معظم هؤلاء اللاعبين كانوا متواجدين في نهائي كأس أمم أوروبا 2000 الذي خسروه أمام المنتخب الفرنسي بفضل هدف دفيد تريزيجيه الذهبي ، و رغم هذه الهزيمة المبررة إلا أن المدير الفني للطليان آنذاك دينو زوف إستقال من منصبه و تم إستبداله بجيوفاني تراباتوني ، و الأخير يحمل في جعبته سبعة ألقاب في الدوري الإيطالي و إثنين من كأس الإتحاد الأوروبي ، بيد أن كل هذه النجاحات تحققت منذ أكثر من 10 سنوات ، و إعتبر الكثيرون أن أساليبه الدفاعية قد ولى عليها الزمان رغم أنه قاد إيطاليا نحو المونديال دون أي هزيمة واحدة .
من جانبه وصل غوس هيدينك للإشراف على منتخب كوريا الجنوبية ، و هو مدرب هولندي بسمعة جيدة جدا ، لكن الهزيمة ضد فرنسا 5-0 في كأس العالم للقارات 2001 أثارت الرعب رغم فوزه في المباراتين المتبقيتين من البطولة ، و لم تكن المشاركة الشرفية في كأس الكونككاف أفضل من سابقتها حيث تعرض الكوريون للهزيمة في ثلاث من أصل خمس مباريات في الدور الأول ، و حتى بعد تأهلهم إلى نصف النهائي لم ينخدع أبناء الوطن بمنتخبهم و توقعوا إقالة هيدينك حتى قبل إنطلاق كأس العالم .
في بلد مثل كوريا الجنوبية يقدرون فيه العمر و الخبرة ، كان صعبا على اللاعبين الشباب إثبات جدارتهم ، لكن المدرب الهولندي و بصرامة شديدة قرر تغيير هذه العقلية في المنتخب الوطني و تم تشجيع الصغار من المحترفين على التعبير عن أنفسهم داخل و خارج الملعب بدلا من إظهار الإحترام لكبار السن فقط .
المونديال الحدث في كوريا الجنوبية ينطلق
بدأ كأس العالم الذي يمثل حدثا تاريخيا ليس لكوريا الجنوبية و اليابان البلدين المضيفين فقط بل للقارة الآسوية بأسرها التي تستضيف النهائيات للمرة الأولى في التاريخ ، و إفتتح أبناء المدرب غوس هيدينك المونديال بفوز مقنع على بولندا 2-0 ، تلاه تعادل ضد الولايات المتحدة 1-1 ، التعادل في المباراة التالية سيكون كافيا لرؤية المنتخب في الدور السادس عشر ، و بالفعل فازوا على البرتغال 1-0 .
على الصعيد الآخر كان تقدم المنتخب الإيطالي أقل هدوءا و ضجة ، فبعد فوزه على الإكوادور 2-0 و تعادل مع المكسيك 1-1 ، خسر الإيطاليون ثالث المواجهات ضد كرواتيا ، خسارة كادت أن تعصف بآمال الفريق المدجج بالنجوم مما دفع المدرب جيوفاني تراباتوني إلى تغيير تكتيكه من أجل تحقيق أفضل النتائج في الأدوار المقبلة .
كان المشجعون الإيطاليون غاضبين من القرارات التحكيمية خلال الدور الأول ، لم يتم إحتساب أربعة أهداف لهم بالتمام و الكمال ، و هنا كثرت نظريات المؤامرة خاصة أن عدم الثقة في الحكام أمر شائع في إيطاليا ، و بينما أصرت الفيفا فيما بعد على أن إنسحاب الآتزوري كان مجرد خطأ بشري بسيط ، إعتبر أنصار الأمة أن ما حصل في تلك المباراة هو خلاف ذلك ، و أن سيب جوزيف بلاتر هو السبب في هذا الإنسحاب كجزء من عملية إنتقام ضد مواطنهم أنطونيو ماتاريس الذي إشبك معه في وقت سابق في تلك السنة و إستقال من منصبه كمساعد للرئيس ، و هذا الأمر هو بمثابة ناقلة كبيرة مليئة بالوقود سيتم رميها على النار بسبب ما حدث بعد ذلك في دايجون .
قد تكون كوريا الجنوبية و نظيرتها الشمالية كيانات سياسية منفصلة ، لكن عندما تعلق الأمر بتاريخ كأس العالم فقد تم مشاركة المشاعر الوطنية ، و قد إنعكس هذا في المدرجات عندما إصطف المشجعون الكوريون في ملعب دايجون قبل إنطلاق اللقاء و رفعوا بطاقات حمراء و بيضاء كتب عليها " 1966 من جديد " .
جلس باك دو إيك صاحب هدف منتخب كوريا الشمالية ضد إيطاليا في مونديال 66 يشاهد التلفاز و يهتف للجنوب طوال بطولة عام 2002 ، و قد صرح فيما بعد أن فريق غوس هيدينك هو فخر الأمة الكورية بأكملها ، لكن هل ستنفع هذه المشاعر الوطنية و التاريخ القديم في هزيمة الآتزوري ؟
في الحقيقة كانت هناك عدة أسباب تدعو للتفاؤل ، أحدهم هو إصابة أليساندرو نيستا و إيقاف فابيو كانافارو ، و مع ذلك لم يقتنع الجميع بقدرة منتخبهم على إزاحة الطليان و العبور إلى الدور القادم ، حتى الحكومة أصدرت بيانا قبل المباراة دعت فيه المشجعين إلى التحلي بالروح الرياضية إذا كانت النتيجة ضدهم ، فلا هم و لا أي أحد آخر قادر على الجزم بما سيحدث بعد ذلك .
إنطلق اللقاء المرتقب ، و بدا من الواضح أن منتخب كوريا الجنوبية يعتزم الذهاب إلى الهجوم و الضغط على المدافعين الإيطاليين بلا هوادة ، و مع خطة 3/4/3 إعتمد خط الوسط إلى نقل الكرة نحو الأجنحة في كل فرصة ، مما أدى إلى هجمات كثيفة أدت إلى ضربة جزاء بعد أربع دقائق فقط ، لكن حول جانلويجي بوفون ركلة اللاعب أهن جونغ هوان إلى الركنية .
عوض ذلك إفتتح المنتخب الإيطالي النتيجة عن طريق كريستيان فيري من رأسية مذهلة ، و رغم هذا واصلت كوريا الجنوبية لعب أسلوبها و التقدم إلى الأمام ، و حملت الدقيقة 88 الفرحة لأصحاب الأرض عندما عادل سول كي هون الكفة 1-1 و إنقلب الحزن المخيم في الملعب إلى فرح ، لتنتقل المباراة إلى الأشواط الإضافية و أرسل لي يونج بيو عرضية لأهن جونغ هوان الذي إرتفع فوق باولو مالديني و ضرب الكرة برأسه في مرمى بوفون ، و كانت لحظة قدر لإيطاليا فيها أن تنسحب من كأس العالم .
ردود الفعل على مباراة كوريا الجنوبية و إيطاليا
كتب جون برودكين من صحيفة الجارديان البريطانية صباح يوم الهزيمة أن إيطاليا برمتها ستكون في حالة صدمة ، اللاعب أهان الذي يحترف في صفوف فريق بيروجيا الإيطالي و سجل هدفا واحدا في الكالتشيو الموسم الماضي سيجعل البلد الذي يدفع له أجره يجثو على ركبتيه ، منظر جانلويجي بوفون و هو مستلق بلا حراك في شبكته لمدة دقيقتين إهانة عظمى .
كانت بطولة كأس العالم 2002 فرصة مواتية لإيطاليا من أجل الفوز بها ، و بدلا من ذلك عانوا من واحدة من أكثر الهزائم إذلالا في تاريخهم ، مع بقاء ثلاث دقائق من تلك المباراة بدا الأمر بسيطا ، فهم متقدمون برأسية كريستيان فيري ، و بالكاد سيكونون في ربع النهائي لمواجهة إسبانيا قبل أن يخطف لاعبوا كوريا الجنوبية هدف التعادل و تربك جميع حساباتهم ، إذا كان هناك منتخب يستطيع الدفاع عن مرماه فهو إيطاليا ، و لكن هذه المرة نفذ الحظ منهم .
من جهته كتب رئيس إتحاد كوريا الشمالية لكرة القدم رسالة تهنئة لنظيره الجنوبي ، و نزل المواطنون إلى شوارع سيول و المحافظات الأخرى في إحتفال هذياني ، و في المقابل لم يكن هناك حشد غاضب ينتظر لاعبي المنتخب الإيطالي في مطار ميلانو و يلقي الطماطم الفاسدة عليهم ، بل تواجد بضع مئات من صائدي التوقيعات الذين رحبوا بهم بالتصفيق الحار .
لم يكن الجمهور الإيطالي في نظره مقتنعا أن فريقهم هزم لأنه سيئ أو لم يوفق و لم يحول الفرص إلى أهداف ، و بدلا من ذلك فهم تعرضوا لمؤامرة كبيرة قادها حكم إكوادوري يدعى بايرون مورينو ، جوسيبي توساتي صحفي إيطالي مرموق كتب هذه العبارات : " لقد تم طرد إيطاليا من كأس العالم القذرة التي يتم إستخدام الحكام فيها كضباط "
و قدم مسؤولون إيطاليون آخرون إدعاءات مماثلة بمن فيهم رئيس وزراء إيطاليا أنذاك فرانكو فراتيني الذي أكد أن قرارات الحكم كانت مخزية و فاضحة جدا ، و من الواضح أن الأمر بدا مثل إجتماع جلس فيه مسؤولون حول طاولة و قرروا طرد هذا البلد من نهائيات المونديال .
ما الذي حدث بالظبط في مباراة كوريا الجنوبية و إيطاليا ؟ و ما الذي أثار هذه ردود الأفعال الحادة ؟
طبعا كانت إدارة الحكم بايرون مورينو للمباراة بين المنتخبين سيئة للغاية ، و توجد بالتحديد لقطتين هما أعظم مظالم إيطاليا في الاشواط الإضافية ، فأولا أدلى بطاقة حمراء غير عادلة بالمرة في وجه فرانشيسكو توتي الذي حصل في وسط اللقاء على بطاقة صفراء أولى ، و إثر سقوطه داخل منطقة الجزاء قدر مورينو اللقطة بأنها تمويه و طرد اللاعب ، و الإعادة أثبتت أن القرار ليس عادلا لأن هناك إحتكاكا حصل بين ملك روما و لاعب منتخب كوريا الجنوبية سونغ .
و بعد لحظات أعلن الحكم الإكوادوري عن تسلل غير موجود من الأساس ، قرارات أشعلت الشارع الإيطالي ، لكن على النقيض تماما كانت هناك آراء أخرى تأكد أن مورينو لم يتعمد إيذاء إيطاليا ، و لو حبذ ذلك لطرد توتي و فييري و زامبروتا الذين قاموا بلقطات ضد لاعبي الفريق المنافس إستدعت طردهما عن جدارة و إستحقاق و لكنه لم يفعل .
أسبوع بعد أسبوع و الحكم بايرون مورينو أصبح كبش فداء رغم أنه لم يشارك في أي من مباريات إيطاليا في دور المجموعات ، و إستمرت أسطورته في النمو خاصة بعد أن ذهب إلى أبعد من ذلك و أكد أنه لم يرتكب أي خطأ واحد في لقاء كوريا الجنوبية و إيطاليا ، و تحدى جميع الذين يدعون عكس ذلك بأن يأتوا بدليل يثبت صحة إدعاءاتهم و قال أنه لم يسبق لأي مسؤول أن إتصل به خلال حياته المهنية حول الرشوة أو أي شيئ من هذا القبيل .
طبعا كل شخص من جمهور الفريقين سينظر إلى الأمور من زوايا مختلفة ، و بالتأكيد أن منظري المؤامرة قد إزدادوا خاصة بعد فوز كوريا الجنوبية على المنتخب الإسباني في ربع النهائي ، كان لدى المنتخب الأوروبي هدفين لم يتم إحتسابهما و خسروا في النهاية بركلات الحظ .
ما اللذي حدث لحكم كوريا الجنوبية و إيطاليا 2002
في إيطاليا صار الناس يتحدثون عن نكتة شعبية تفاصيلها كالآتي
" دخل صبي إلى متجر رياضي ليطلب قميص كوريا الجنوبية ، يجلس البائع وراء المنضدة و يقول للصبي : متأكد ؟ هل تريد قميص اللاعبين أم الحكم "
في إشارة لمورينو الذي يعتقد في أنه رشح المنتخب الآسوي على حساب المنتخب الأوروبي الذي أفادت مجموعة تقارير أنه إستمتع بعطلته الصيفية بعد كأس العالم في الولايات المتحدة ، و عندما عاد إلى بلده الإكوادور إشترى سيارة فاخرة بقيمة 10 آلاف دولار ، و رد الحكم على هذه الإدعاءات أنه أقام في أمريكا في منزل أخته ، أما ثمن السيارة فهي لا تساوي حتى نصف الأجر الرسمي الذي تقاضاه من الفيفا .
في سبتمبر 2002 أثار مورينو الجدل من جديد بعد أن تم إيقافه لمدة 20 مباراة من طرف الإتحاد الإكوادوري لكرة القدم بسبب إحتسابه ل13 دقيقة إضافية في مباراة ليجا دي كيتو و نادي برشلونة الرياضي ، سجل خلالها كيتو مرتين و إنتزع فوزا ثمينا 4-3 .
مرت الأشهر و لم يهدأ الشارع الإيطالي على تلك الخسارة ، و هددت هيئة الإذاعة الحكومية بمقاضاة الفيفا بسبب خسائر كبيرة في الأرباح مشيرة إلى أن خروج بلدهم المبكر من المونديال كلفهم الملايين من العائدات الإعلانية ، و الآن سيستقرون على وسيلة أخرى لتحقيق التوازن بدلا من ملاحقة الإتحاد الدولي في المحاكم في قضية تبدو خاسرة بسبب عدم وجود الأدلة الكافية ، لذلك سيطلبون من بايرون مورينو أن يسدد الدين عن طريق جلوسه في قناة RAI التلفزيونية و تقديمه لفقرة طريفة تمكن الجمهور الإيطالي من السخرية منه بشكل كبير .
سيعود الحكم مرتين إلى إيطاليا عام 2003 أين ظهر مرتين أمام حشد غاضب و تم رشقه بالبيض و الماء فوق رأسه ، و من وقتها بدأت صورته في الإختفاء شيئا فشيئا ، قبل أن يتصدر عناوين الأخبار في 2010 عقب إلقاء القبض عليه في أمريكا و هو يحاول دخول البلاد بكمية كبيرة من الكوكايين ، و حكم عليه بالسجن لمدة 30 شهرا ، و عندما خرج أخبر الصحفيين أن تصرفاته تلك كانت بدافع اليأس بعد تراكم الديون عليه و عدم قدرته على تغطية التكاليف الطبية لإبنه المريض ،و في النهاية أظهر الأيطاليون بعض التعاطف مع الرجل .
الخاتمة
في الحقيقة إذا أراد عشاق الكرة الإيطالية إنصاف أنفسهم عليهم أن يلقوا اللوم على أنفسهم قبل أن يلقوه على أي شخص آخر ، منتخب يميل إلى الدفاع و بناء الهجمات بشكل بطيئ رغم أنه يملك مجموعة من خيرة لاعبي الوسط و الهجوم في العالم ، لقد أضاعوا الأنتصار بسهولة أمام كوريا الجنوبية و من سيعود إلى شريط تلك المباراة سيعرف تلك الحقيقة القاتلة ، و ما حدث من الحكم هي أخطاء فردية يمكن أن تحدث لأي حكم آخر ، لكن ما أثار الجدل هو الإستهانة بمنتخب فاجأ الإيطاليين و أحرجهم في بطولتهم المفضلة .
تعليقات
إرسال تعليق